جاء في ( روضة المحبين ، ص 438 ) للإمام ابن القيم - رحمه الله - أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام : ( قل لشُبَّان بني إسرائيل : لِمَ تشغلون نفوسكم بغيري ؟! ، ماهذا الجفاء ؟! .. ولو يعلم المدبْرِون عنِّي كيف انتظاري لهم ورفقي بهم ومحبتي لترك معاصيهم لماتوا شوقاً إليَّ وانقطعت أوصالهم من محبتي ! .. هذه إرادتي للمدبرين عني فكيف إرادتي للمقبلين عليَّ !!
فإنه من الملاحظ في زماننا هذا تغليب ذكر فضل الحور العين ونحو ذلك من المخلوقات التي هي في ذاتها مخلوقات على الله سبحانه ..
والربُّ سبحانه وإن كان عَظّم الجنة المخلوقة وما فيها من الحور والحبور فإن التعلق بها وأن تكون هي مبلغ العلم نقص كبير إذْ إنَّ حقيقة التألّه وهو التعبد إنما المراد منه تعلق القلب محبة وخوفاً ورجاء بذات المألوه المعبود سبحانه ليس بمخلوقات دونه ، وهذا هو معنى كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) لأن المألوه هو الذي يأْلَهه القلب محبةً وشوقاً وخوفاً ورجاءً .
) .
ولايُعلم من هذا هو التزهيد بالجَنَّة ، أو أن المسلم لا يسألها الله تعالى ، أو يَحتقر مَا عظمَه الله عز وجل من نعيمها كالحُور والمآكل والمساكن وغيرها ، وإنما المقصود هو التفريق بين المعبود والمخلوق ، وبيان معرفة حقيقة العبودية ، وألاّ يحتجب العبدُ عن إرادة رَبِّه لذاته ولو لَمْ يكن هناك جنةً ولا ناراً كما جاء في الأثَر - الذي أورده شيخ الإسلام ابن تيمية في ( درء تعارض العقل والنقل ، 6 / 68 ) ، والإمام ابن القيم في ( مفتاح دار السعادة ، 2 / 87 ،123) - أن الله تعالى قال : ( لوْ لَمْ أخلُق جَنَّةً ولا ناراً ألَمْ أكنْ أهْلاً أنْ أُعْبَد ) ؟! ،
فتأمل ذلك ، وليكن حبك لله الجليل الجميل وشوقك إليه أعلى وأكبر من حُبِّ كل شيء حتى من حُبِّ النبي ومن حُبِّ الحُور العِين والشوق إليهنّ ، ولا تنسَ قول رسول الله في رؤية أهل الجنة لربهم - سبحانه وتعالى - : ( فمَا أعطوا شيئاً أحبّ إليهم مِنَ النظرِ إلى ربِّهم ) ! ، رواه مسلم من حديث صهيب - رضي الله عنه - .
أعلن الحب مع الله ودع كل حب سواه .. اترك كل حب مخلوق لأجل الخالق .. وردد مناجيا ربك :
ما في الفؤاد لغير حبك موْضعٌ ****** كلا ولا أحَدٌ سواك يَحُلّهُ
قال ابن القيم :
يا من هبّت على قلبه جنوبُ المجانبة فتكاثفت عليه غيوم الغفلة فأظلم أُفُقُ المعرفة : لا تيأس ! ، فالشمس تحت الغيم ، لوْ تصاعد منك نَفَسُ أسَفٍ استحالت شمالاً فتقطع السحاب فبانت الشمس تحته .
وقال :
( إذا كانت مشاهدة مخلوق يوم (( اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ )) ليوسف استغرقت إحساس الناظرات فقطّعن أيديهن وما شعرن ، فكيف بالحال يوم المزيد !) انتهى
من كتاب منازل الحور العين
في قلوب العارفين برب العالمين